أخبار

معرض الفرس بالجديدة.. منتجات أصيلة وصناع مهرة في خدمة المحافظة على تراث الأجداد

الجديدة – في قلب مركز المعارض محمد السادس بالجديدة، يزف معرض الفرس إلى زواره باقة من الحرف والصناعات التقليدية المرتبطة بالفرس، في مشاهد بصرية آسرة تبرز مهارة الصانع المغربي وتجسد إرثا حضاريا ضاربا في أعماق التاريخ.

في أروقة المعرض، الذي يطفئ هذه السنة شمعة دورته السادسة عشر، يهيم الزائر بين فضاءات مصممة بعناية، ويقف أمام حرفيين من طراز رفيع يعرضون أروع ما أبدعته أناملهم، حيث كل قطعة تروي حكاية، وكل صنعة تحمل بصمة زمن.

وسط هذا الفضاء المتناغم، يبرز جيل من الحرفيين الذين ورثوا الصنعة عن آبائهم وأجدادهم وظلوا أوفياء لها، ومن بينهم هشام السقاط، معلم صناعة السروج التقليدية الذي لا يفوت مناسبة دون التأكيد على أنه ورث هذه الحرفة أبا عن جد.

يعتبر السقاط أن هذه الحرفة العريقة كانت على وشك الاندثار، غير أن تظافر الجهود ساهم في إحيائها وصونها من النسيان، مضيفا أن معرض الفرس يوفر للصناع التقليديين فضاء لعرض إبداعاتهم للزوار الذين يكتشفون عن قرب تفاصيل دقيقة من الحرف المغربية الأصيلة، في تجربة تفاعلية تجمع بين المعرفة والمتعة.

وفي سياق حديثه عن تفاصيل صناعة السروج، كشف السقاط أن السرج الواحد يتكون من نحو 34 قطعة، يتعاون في إنجازها ما بين 14 إلى 17 حرفيا، كل في تخصصه . فالنجار يصنع “العظم”، والحداد ينجز “الركاب”، إلى جانب حرفيين آخرين يشكلون معًا تحفة فنية تمثل جوهر الفروسية المغربية.

وأكد أن الدعم المؤسساتي والترويج الثقافي شجّعان الصناع التقليديين على تحسين جودة منتجاتهم والابتكار بأساليب مستوحاة من التراث، مما يضمن استمرارية هذه الحرفة في قلب المشهد الثقافي المغربي.

غير بعيد عن فضاء عرض السروج، ينتصب رواق مخصص للبنادق التقليدية أو ما يعرف ب (المكاحل) المرتبطة أساسا بفن”التبوريدة”، حيث تعرض قطع فريدة تثير إعجاب وفضول الزوار، وفي منتصف الرواق يقف المعلم سعيد، يوزع الابتسامات على الحاضرين ويجيب بشغف عن أسئلتهم.

يؤكد المعلم سعيد أن الصانع المغربي يعتمد في صناعة البندقية على أخشاب عالية الجودة، أبرزها خشب الجوز المعروف محليًا بـ”الكركاع”، وخشب “الليتر”، لما يتميزان به من صلابة وجمالية، ما يمنح المكحلة طابعًا فنيًا فريدًا.

وفي ما يتعلق بالجانب التقني، أكد أن هذه الصناعة تطورت بشكل ملحوظ، حيث تم الاعتماد على الحديد المحلي بدل المستورد، الذي كان يتسبب أحيانًا في انفجار الجعبة، مما يشكل خطرًا على الفارس والفرس على حد سواء.

وليكتمل المشهد داخل فضاء العرض، يحتل صانع الجلاليب التقليدية الخاصة بالفرسان مكانة متميزة، ويستقطب اهتماما واسعًا من الزوار، خصوصا بعدما حوّل رواقه إلى ورشة مفتوحة تتيح للمتفرجين متابعة تفاصيل الصنعة عن قرب.

قطع بألوان وأشكال متنوعة، تفتح رحلة عبر التاريخ والجغرافيا، إلى زمنٍ غير بعيد، حين كان الجلباب التقليدي الزي الرسمي للمناسبات والأحداث، وحين كانت كل منطقة من مناطق المملكة تميز حياكتها بخصوصية فريدة.

وهكذا، لا يقتصر معرض الفرس بالجديدة على عرض الخيول فحسب، بل يشكل منصة لإبراز صناعات متكاملة تحافظ على التراث وتمنحه بعدا اقتصاديا واجتماعيا، رابطا بين الماضي والمستقبل، ومتيحا فضاءً يتبارى فيه الإبداع الأصيل مع روح الحداثة.

وقد نجح المعرض، منذ تأسيسه، في أداء هذا الدور الحيوي، وساهم في تسويق والتعريف بالمنتجات التقليدية المرتبطة بالفرس، إلى جانب حماية الصناعة التقليدية وتعزيزها باعتبارها جزء أصيلا من الهوية الوطنية المغربية.

يذكر أن الدورة الـ 16 من معرض الفرس بالجديدة ، التي تختم فعالياتها غدا الأحد تحت شعار “العناية بالخيل، رابطة وصل بين ممارسات الفروسية”، تتميز بحضور وازن لفاعلين بارزين على الصعيدين الوطني والدولي في مجالات الفروسية وتربية الخيول

و م ع